النار : أهلها وأهوالها والنجاة منها
خطبة صلاة الجمعة
الشيخ رضا السيد شطا
مسجد الامان
ولاية نيوجرسي
الولايات المتحدة الامريكية
الحمد لله رب العالمين أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً وكفي بالله حسيباً , نشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير , ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله , اللهم صلي وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد حق قدرة ومقداره العظيم , وارضى اللهم عن الأربعة الخلفاء , الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان واقتفى أثرهم بإيمان وعنا معهم بفضلك وجودك وسعة رحمتك يا أرحم الراحميـن وبعد ........ , حديثنا لهذه الجمعة هو حديث عن سبب علتنا , حديثنا عن أصل قوتنا , حديثنا لهذه الجمعة هو حديث لترقيق القلوب المؤمنة ولتذكير النفوس الموحدة , حديثنا عن الدار الآخرة , ومشكلات الناس في هذه الدنيا تشتد وتتعقد عندما يجعلون الآخرة دبر آذانهم , عندما يجعلون اليوم الآخر تحت أقدامهم , عندما ينشغلون بحاضرهم , عندما يستغرقون في يومهم , عندئذ يتحول الناس كالذئاب في ثياب , يصبح الإنسان كالسباع يلتهم القوي الضعيف أو كالأسماك في البحر , يعدو الكبير على الصغير , ونحن اليوم مع اليوم الآخر , نحن اليوم مع لقاءٍ جديد تحدثنا فيه عن الموت , وتحدثنا فيه عن أهوال الحشر , واليوم سوف نتحدث حديثاً جديداً , عل القلوب أن تستيقظ من غفلتها , عل النفوس أن تتسامح فيما بينها , حديثنا اليوم هو عن النكبة الكبرى , عن البلية العظمى , عن الخسارة التي ما بعدها خسارة , حديثنا اليوم عن النار وأهوالها وأهلها وعن كيفية النجاة منها , وأحب أن أقول لكم في مقدمة هذه الخطبة بعدما توحدوا ربكم إن كثيراً من الناس حتى من المتدينين والمتدينات للأسف الشديد في عصرنا إذا جئت تحدثهم في النار وأهوالها وأهلها صدوا عنك وأعرضوا عنك اعراضاً ولم يحبوا هذا الحديث , فأكثر الناس حتى من المتدينين للآسف يحب الحديث عن رحمة الله تعالى ويكره الحديث عن عذاب الله عزوجل , أكثر الناس الآن إذا جئتهم تراهم يحبون الحديث عن الجنة ونعيمها ويكرهون الحديث عن النار وجحيمها , يحبون الحديث عن ثواب الطاعة ويكرهون الحديث عن عقاب المعصية ولا شك يا أخوة أن ما يحبونه مطلوب وأن ما يكرهونه أيضاً مطلوب , لأن من معتقد أهل السنة والجماعة جعلنا الله وإياكم منهم , حشرنا وإياكم في زمرتهم تحت لواء إمامهم الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام , من معتقد أهل السنة والجماعة أن نؤمن بالنار وجحيمها كما نؤمن بالجنة ونعيمها ولا يمكن أن نلغي جزءاً من عقيدتنا لأن الناس يكرهون الكلام فيه , أو أن الناس يصدون إذا سمعوا الحديث عنه فاليوم سوف يكون الحديث عن النار وأهوالها , عن أحوال أهلها , عما ينجي منها فأعيروني أسماعكم وقلوبكم ووحدوا ربكم سبحانه وتعالى .
أولاً : صفة النار وأهوالها :
فيالها من أهوال عظيمة ويالها من شدةٍ جسيمة , هل وقف أحدكم يوماً أمام حريق هائل شب في بئر من الآبار أو في مصنع من المصانع أو في بيت من البيوت , هل رأيتم هذا الحريق المروع والمزلزل ؟ هذا الحريق الذي منه تفرون ومن هولة ترعبون , ولايمكن أن تقفوا أمامه , كل الناس يفرون من هذه الحرائق , هذه الحرائق التي منها تفرون هي جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم كما قال عليه الصلاة والسلام فيما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " إن ناركم هذه التي يصهر بها الحديد , إن ناركم هذه التي تذاب بها المعادن , إن ناركم هذه هي جزءاً من سبعين جزءاً من نار جهنم ! فقالوا يا رسول الله : إن كانت لكافية ( أي هذه النار كافية يا رسول الله , هذه النار ليست هينة , هي نار عظيمة جداً ) فقال : والذي بعثني بالحق نبياً إن نار جهنم فضلت على نار الدنيا بتسعة وستون جزءاً وإن ناركم هذه لتستجير بالله كل يوم وتدعوه من أن يردها إلى نار جهنم " ولذلك كان داوود عليه السلام يقول : إلهي لا طاقة لي على حر شمسك ! فكيف أقوى على حر نارك ! أنا لا أطيق حر الشمس , جسمي على الشمس ليس يقوى ولا على أهون الحرارة فكيف يقوى على جحيم وقودها الناس والحجارة , الإنسان لا يقدر في اليوم الصائف أن يتحمل شدة الحر , لا يمكن أن يتحمل وهج الشمس فكيف يتحمل نار جهنم والعياذ بالله , هذه النار التي نزل الأمين " جبريل " يوماً على الأمين محمد عليه الصلاة والسلام , نزل وفرائسه ترتعد , نزل على سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو يرتعد ! فقال عليه الصلاة والسلام , ماذا بك يا جبريل ؟ مالك ؟ فقال : يا رسول الله مررت الآن على نافخ النار , فقال صلى الله عليه وسلم : أوينفخ في النار يا جبريل ؟ فقال يا محمد : إن الله أوقد نار جهنم ألف سنة حتى ابيضت , ثم أوقد عليها ألف سنة حتى احمرت , ثم أوقد عليها ألف سنة أخرى حتى اسودت فهي الآن سوداء مظلمة !! فقال عليه الصلاة والسلام : صف لي النار يا جبريل ؟ فقال : يا محمد إن قعرها بعيد , وإن حرها شديد , وإن مقامعها من حديد , فقال عليه الصلاة والسلام : يا جبريل حسبك حسبك فإن قلبي كاد يتصدع والله العظيم ! وهذا النبي عليه الصلاة والسلام , هذا هو المعصوم نبي الإسلام فكيف بنا ؟
أما عن قعـــرها :
فقد صح في الصحيح من حديثه عليه الصلاة والسلام عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَمِعْنَا وَجْبَةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " أَتَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " هَذَا حَجَرٌ أُرْسِلَ فِي جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ عَامًا ، الآنَ حِينَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِهَا " . وَفِي رِوَايَةِ الْهَيْثَمِ : " بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ سَمِعَ وَجْبَةً ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَلْ تَدْرُونَ مَا هَذَا ؟ " قُلْنَا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ ، قَالَ : " هَذَا حَجَرٌ رُمِيَ بِهِ فِي النَّارِ مُنْذُ سَبْعِينَ خَرِيفًا ، فَالآنَ انْتَهَى إِلَى قَعْرِ النَّارِ " . رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي الصَّحِيحِ , عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ ، عَنْ خَلَفِ بْنِ خَلِيفَةَ ، أَخْرَجَهُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ ، عَنْ يَزِيد .
أما عن سقفها وأرضها :
فاسمع ماذا قال الله تعالى " لَهُم مِّن فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِّنَ النَّارِ وَمِن تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذَلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبَادَهُ يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ " .
أما عـن سلاسلهــا :
فاسمع ماذا قال الله تعالى " خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ " ماهي هذه السلسلة ؟ اسمع إلى تفسير الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم , يقول عليه الصلاة والسلام : لو أن حلقة من هذه السلسلة وضعت على جبال الدنيا لأصبحت رماداً !! وهذه يسلسل بها العاصي كما جاء في القرآن الكريم .
ثانيـــاً : أما عن عذاب أهلهــــا :
فهو العذاب العظيم , وهو العذاب الأليم , وما ظنك بقوم أهونهم عذاباً , أهون أهل النار عذاباً يا أخوة من يكون له نعلان من نار يغلي منهما دماغه حتى يسيل من على جسمه ! يرى أنه أعظم أهل النار عذاباً وهو أهونهم عذاباً , هذا أمر شديد , وهذا عذاب شديد جداً كما قال الله تعالى " رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار " ( أي فضحته وذللته وأهنته ) هذه هي الفضيحة التي ينبغي على الإنسان أن يسعى ليستر نفسه فيها , هذه هي الفضيحة الأكيدة , عذاب النار ليس عذاب حسي يا أخوة , عذاب النار عذاب معنوي أيضاً , الذلة , الخزي , الفضيحة , أن يقال لك يوم القيامة ما يقال للكلب , اخسأ كلب , يقال للعاصي في النار " اخْسَئُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ " هذه هي الخسارة التي يجب أن نعمل لتلافيها يا أخوة " فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ " فالخسارة الحقيقية يا أخوة ليست في خسارة المنصب , ليست في خسارة المال , ليست في خسارة الجاة , الخسارة الحقيقية التي ينبغي أن نعمل وأن نبعدها عنا ( نسأل الله تعالى أن يبعدنا وإياكم عنها ) الخسارة الحقيقية ليست في خسارة الدرهم والدينار , الخسارة الحقيقية هي في دخول النار والعياذ بالله , عذاب معنوي كبير جداً , والعذاب الحسي جاء في القرآن الكريم أصناف وأصناف , إذا جئت تسأل عن طعام أهل النار فالمائدة الجهنمية تشتمل على ألوان وألوان من الأطعمة , فهناك من يأكل الغسلين , وهناك من يأكل الضريع , وهناك من يأكل الزقوم , كما قال الله تعالى " فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ وَلا طَعَامٌ إِلا مِنْ غِسْلِينٍ لا يَأْكُلُهُ إِلا الْخَاطِئُونَ " فما صفة الغسلين يا رسول الله ؟ لأن الخبر عن النار موقوف على قال الله تعالى وقال رسول الله , لا اجتهاد فيه لمجتهد , ولا بلاغة فيه لبليغ , نحن ننقل لكم من قال الله وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما تصلوا عليه , واسمع ماذا قال الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام عن صفة الغسلين , قال " لو أن دلواً من الغسلين أفرغ في بحار الدنيا لأنتنها " وهذا بدلواً واحداً فقط !!! وهناك من يأكل الضريع " لَيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلا مِنْ ضَرِيعٍ لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ " فما صفة الضريع يا رسول الله ؟ قال عليه الصلاة والسلام : هو أنتن من الجيفة وأحر من النار , من أكل منه تضرع إلى الله في الخلاص منه وهناك من يأكل الزقوم " إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ * إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ " فما صفة الزقوم يا رسول الله ؟ اسمع ماذا قال عليه الصلاة والسلام " والذي بعثني بالحق نبياً لو أن قطرة من الزقوم وضعت على الأرض لأفسدت على أهل الأرض معايشهم " فكيف بمن يأكل منها يا عباد الله ؟
أما عن شراب أهل النار :
فاسمع ماذا قال الله تعالى في شرابهم " وسٍقٍوا مّاءْ حّمٌيمْا فّقّطَّعّ أّمًعّاءّهٍمً " فما صفة هذا الماء يارسول الله ؟ قال صلى الله عليه وسلم : يقربه أحدهم من فمه ( بعدما أكل من هذا الأكل يريد أن يشرب , يريد أن يبلع هذا السم الذي أكله فيضع الماء على فمه ) فيقول عليه الصلاة والسلام " إذا قربه من فمه نزلت فروة رأسه في الماء فإذا شرب من هذا الماء نزلت أمعاؤه من دبره كما قال عليه الصلاة والسلام , هكذا في نار وفي حر ما بعده حر , وكما قال عليه الصلاة والسلام " والذي بعثني بالحق نبياً لو أن في هذا المسجد مائة ألف أو يزيدون وجاء رجل من أهل النار وتنفس في هذا المسجد لأحرق هذا المسجد بمن فيه " هكذا من شدة مايجدونه من الحرارة , فإذا أكلوا من هذا الطعام , وشربوا من هذا الشراب وأرادوا الإغتسال , فهل يغتسلون ؟ اسمع ماذا قال الله تعالى " يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ (19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ (20) وَلَهُم مَّقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ " ماصفة هذه المقامع يارسول الله ؟ يقول عليه الصلاة والسلام : لو أن مقمعاً من حديد وقع على الأرض وجاء أهل الأرض ليحملوه ما أطاقوه فكيف بمن يطرق بهذا يا عباد الله ؟ لأن الأمر سيكون شديداً كما جاء في الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام " إن بين منكبي الكافر ( أي مابين كتفيه ) مسيرة ثلاثة أيام " قال العلماء : لماذا ثلاثة أيام ؟ قالوا : حتى تذوق كل ذرة من جسده عذاب الله عزوجل , هذا في طعامهم وفي شرابهم وفي اغتسالهم , هذه شدة ما بعدها شدة , وألم ما بعده ألم .
أما عن سرايرهم وألحفتهم :
اسمع ماذا قال الله تعالى " لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ " أي سراير من النار ومن فوقهم ألحفة من النار , النار من فوقهم , والنار من تحتهم , هذا أمر عظيم جداً , والله يا أخوة لا أستطيع أن أستمر في عرض هذا الأمر عليكم , هذا أمر شديد وأخشى أن يغلبني البكاء في هذه الخطبة ونقطع الخطبة بالأنين والعويل , هذا أمر شديد جداً وارجعوا إلى القرآن وارجعوا إلى الكتب التي صنفت في النار , هذا أمر ينبغي أن نعمل للهرب منه , النبي عليه الصلاة والسلام وهو من هو , يخرج على أصحابة ذات يوم فيراهم يضحكون , فيقول والله لو رأيتم ما رأيت لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً , قالوا ماذا رأيت يا رسول الله ؟ قال : رأيت النار ! فهي سبب الهلع وهي سبب الجزع , وهي التي ينبغي على الإنسان أن يعمل على الفكاك منها , نحن يا أخوة في هذه الدنيا في محطة استراحة , لابد أن يرجع كل واحد منا إلى داره الأصلية , والدار الأصلية إما الجنة وإما النار .
المــــوت دار وكــــل الناس داخله ياليت شعري بعد الموت ما الدار
الدار جنات عدن ان عملت بما يرضي الإله فإن خــالفـت فالنـــــار
همـــا محلان ما للمرء غيـــرهما فاختـر لنفسـك أي الدار تختار
اختر لنفسك من الآن , الله تعالى في الكتاب العزيز وعظ , ذكر , أنذر , حذر , جاء بهذه الآيات المخوفة وجاء بهذه التفسيرات المرعبة من سيدنا عليه الصلاة والسلام , لماذا ؟ حتى نعمل على أن نفك
أنفسنا من النار , حتى نعمل على التخلص من النار , حتى نحاول أن نقف وقفة مع أنفسنا , هل ظلمنا أحداً ؟ هل أكلنا مال أحد ؟ هل اغتصبنا أحد ؟ هل اعتدينا على أحدٍ من عباد الله ؟ هل ضيعنا فرضاً , هل أكلنا حقاً , على الإنسان أن يستدرك , على الإنسان أن يراجع نفسه , على الإنسان أن ينقذ نفسه من النار , أنقذ نفسك من نار جهنم , أنقذ نفسك من النار , كيف تنقذ نفسك من النار ؟ هل تنقذ نفسك بالخيالات الباطلة ؟ هل تنقذ نفسك بالأماني الكاذبة ؟ هل تنقذ نفسك بالأحلام الفارغة , هناك أشياء من الآن يجب عليك أن تأخذ نفسك بها إذا أردت أن تنقذ نفسك من النار .
أول ما تنقذ به نفسك من النار : توحيد الواحد القهار سبحانه وتعالى :
كما قال عليه الصلاة والسلام " إن الله حرم على النار كل من قال لا إله إلا الله مخلصاً من قلبه " لا إله إلا الله وحده لا شريك له , له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير , وفيما صح عنه صلى الله عليه وسلم , إن الله يقول لأهون أهل النار عذاباً يوم القيامة : لو أن لك مافي الأرض من شيء أكنت تفتدي به اليوم ؟ فيقول نعم يارب العالمين أفتدي به , فيقول الله تعالى له : لقد طلبت منك ما هو أهون من ذلك ! طلبت منك ألا تشرك بي شيئاً فأبيت إلا الشرك , التوحيد أفضل ما يمكن أن يتحقق به العبيد وهو توحيد الحميد المجيد سبحانه وتعالى , أن توحد ربك , أن توحد ربك في كلامك , أن توحد ربك في قلبك , أن توحد ربك في عملك , أن توحد ربك في وجهتك , هذا كلام سهل , ولكن تحقيق التوحيد صعب , تحقيق التوحيد ألا ترى خافض ولا رافع ولا معطي ولا مانع إلا الله سبحانه وتعالى , هذا أمر يجب أن نقره في أنفسنا , وهو أول ما تنقذ به نفسك من النار .
ثاني ما تنقذ به نفسك من النار : أن تمسك عن ايذاء خلق الله تعالى :
إذا أردت أن تنقذ نفسك من هذه النار المخوفة , هذه النار المرعبة , عليك أن تمسك عن ايذاء خلق الله تعالى فايذاء الخلق قال عنه الحبيب سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام " كل مؤذي في النار " وقال عليه الصلاة والسلام " أشد الناس عذاباً يوم القيامة أشدهم عذاباً للناس في الدنيا " يعذبون الناس في أرزاقهم , يعذبون الناس في سجونهم , يعذبون الناس في أعمالهم , يعذبون الناس في سُمَعهم , هذه مشكلة المشكلات يوم القيامة " كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " قال العلماء : أهل الحسرات , هؤلاء ناس يكونون في جهنم في جزء ينظر أهل النار إليهم فلا يرون من حولهم عذاباً ويجدونهم في ألم ما بعده ألم !! وفي شدة ما بعدها شدة , فيقولون لهم ما بالكم ؟ ما الذي فيكم ؟ تتألمون أعظم من ألامنا وعندكم عذاب أقل من عذابنا فما بالكم ؟!! فيقولون نحن في شدة وفي ألم ما بعده ألم ! فيسألونهم وماذا كنتم تعملون في الدنيا ؟ فيقولون : نحن الذين كنا ندخل النكد على المسلمين وعلى بيوت المسلمين , نحن الذين إذا دخلنا على رجل أفسدناه على امرأته , وإذا دخلنا على امرأة أفسدناها على زوجها !!! ينبغي أن نراعي أنفسنا يا عباد الله , ينبغي أن نمسك عن كثير من الكلام , اسمع ماذا قال الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام , يقول صلى الله عليه وسلم " من قال في مسلم كلمة ليعيبة بها في الدنيا كان حقاً على الله أن يذيبة بها في النار يوم القيامة " فكيف بمن يكتبون التقارير ؟ فكيف بمن يسهرون الجلسات في أعراض المسلمين والمسلمات فقط , ينبغي أن نراجع أنفسنا عن ايذاء الخلق , قال رسول الله صلى اله عليه وسلم يا أنس : قال نعم يارسول الله , قال : إن استطعت أن تصبح وتمسي وليس في قلبك غش لأحد فافعل , يا أنس : إن ذلك من سنتي وإن من أحب سنتي فقد أحبني , وإن من أحبني كان معي في الفردوس الأعلى "
ثالث ما تنقذ به نفسك من النار : أداء الفرائض :
أداء الصلوات الخمس , وكم تشكو المساجد الآن من هجران المصلين لها , وكم تشكو الصلوات من اهلها , اسمع ماذا قال عليه الصلاة والسلام " من حافظ عليهن ( الصلوات الخمس ) كانت له نور وضياء وبرهان ونجاة يوم القيامة , ومن لم يحافظ عليهن لم تكن له نور ولا نجاة ولا ضياء يوم القيامة , وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأمية بن خلف في الدرك الأسفل منا النار" الصلاة الصلاة " من ترك فرضاً كتب اسمه على باب جهنم " فكم من اسم كتب على باب السعير ؟؟؟؟
رابع ما ينقذك من النار : تحاول أن يكون لك صدقة :
كل يوم يكون لك صدقة للعتق من النار , اللهم صلي على سيدنا محمد قال " من استطاع أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل " كل يوم أخرج شيئاً وقل هذا لوقايتي من جهنم , هذا فكاكي من النار يارب العالمين , حاول في كل يوم أن يكون لك صدقة , اللهم صلي على سيدنا محمد قال " من سقى أخاه المسلم حتى يرويه وأطعمه حتى أشبعه باعد الله ( بهذه اللقمة وهذا العمل ) بينه وبين النار سبع خنادق مابين كل خندق وخندق مسيرة مائة عام " .
خامس ما تنقذ به نفسك من النار : صيام النافلة :
حاول أن يكون لك صيام دائم , مثل صيام أيام الأثنين والخميس , أو الثلاثة أيام البيض من كل شهر وهي أيام ( الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر عربي ) كما جاء في الحديث عنه عليه الصلاة والسلام قال " من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم بينه وبين النار سبعين خريفاً " أي تصوم يوماً واحداً وتبغي به وجه الله عزوجل ينقذك من عذاب النار .
سادس ماتنقذ به نفسك من النار : الإستعاذة بالله من النار :
إذا أردنا أن ننقذ أنفسنا من النار , إذا أردنا أن نخلص أنفسنا من هذه الدار المزلزلة المرعبة فهناك أمور أخرى مثل الإستعاذة بالله من النار , عود نفسك عليها , كما قال عليه الصلاة والسلام " ما من عبدٍ يستعيذ بالله من النار في كل يوم ثلاث مرات إلا قالت النار اللهم أجره من النار يارب العالمين " عود نفسك على هذا في أدبار كل صلاة , في قيام الليل , في دعوات الصيام , وإذا أحببت إنساناً من قلبك وأردت أن تدعو له , ادعو له بأن يخلصه الله تعالى من النار , كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح الإمام مسلم " أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على السيدة " أم حبيبة " أم المؤمنين بنت أبي سفيان , دخل عليها فوجدها تقول " اللهم متعني بأبي " أبي سفيان " ومتعني بأخي " معاوية " يارب فقال لها عليه الصلاة والسلام " لقد سألتي لآجال معلومة ولأعمار مقسومة ولأوقات معدودة ! هلا سألتي الله تعالى أن يعيذهما من النار " فإذا أحببت إنسان قل : بيض الله وجهك يوم القيامة , نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل الجنة , يجب على الإنسان أن يدعو بهذا , أما طول الله عمرك , الله يخليك لنا , فهذا كله دعاء ماسخ مايضيف لنا من شيء , لايقدم ولايؤخر شيئاً , لقد سألت الله لآجال معلومة ولأوقات مقسومة , فإذا أحببت إنسان ادعو له بأن يقيه الله عزوجل من النار وأن يجعله من أهل الجنة .
سابع ما تنقذ به نفسك من النار : ذكــر الله عزوجل :
الإكثار من ذكر الله تعالى , كما قال عليه الصلاة والسلام " ما رأيت عملاً ينجي من عذاب الله مثل ذكر الله عزوجل , الذكر ينجيك من عذاب الله عزوجل , وقال للرجل الذي طلب منه أن يوصيه , قال له عليه الصلاة والسلام " إذا استطعت أن تصبح وتمسي ولسانك رطب من ذكر الله فافعل فإن من أصبح وأمسى ولسانه رطب من ذكر الله تعالى أصبح وأمسى وليس عليه خطيئة " .
ثامن ما تنقذ به نفسك من النار : كثرة البكاء من خشية الله تعالى :
دموعنا والله تشتكي القحط , وتشتكي الجفاف من قلة بكاؤها , أنا لا أقول أننا لا نبكي ! فنحن نبكي , ولكن على ماذا نبكي هذا هو السؤال , فنحن نبكي على أولادنا , نبكي على أزواجنا , نبكي من مصائبنا الدنيوية , نبكي على أرزاقنا , بل أن بعضنا يبكي والله بسبب المباريات !! وبعضنا يبكي بسبب الأفلام والمسلسلات , وبعضنا يبكي بسبب أحداث تافهة , ولكن هذا هو البكاء الرخيض , هذا هو البكاء التافة , هذا البكاء ماله أي ثمن عند الله تعالى , أما البكاء الذي ينجيك , والذي العين والله في حاجة ماسة إلية , هو البكاء الذي قال فيه عليه الصلاة والسلام " ما من عبدٍ يبكي من خشية الله إلا حرمه الله تعالى على النار يوم القيامة " هذا هو البكاء الذي أعيننا في شوق إليه , والذي نحن في حاجة إليه . البكاء الذي لما قال " داوود " لله عزوجل : يارب ما جزاء العبد الذي يبكي من خشيتك حتى تجري دموعه على خدية يا أرحم الراحمين ؟ قال : جزاؤه يا داوود أن أحرمه على النار وأن أؤمنه يوم الفزع الأكبر , اللهم أرزقنا عيناً تبكي من خشيتك يارب فإن أعيننا في حاجة إلى تغسيل ذنوبنا يارب العالمين , وقال سبحانه وتعالى في الحديث القدسي " ما من عبدٍ يبكي من خشيتي ( هذا البكاء الغالي والذي تقبض ثمنه بأبهظ الأسعار , أما أن تبكي على أبيك , تبكي على أمك , تبكي على دنيا , تبكي على أخيك , هذا كله ماله ثمن هذا والله تافه , البكاء الذي تحصل من وراءه الأجر هو البكاء الذي قال فيه ربنا في الحديث القدسي " ما من عبدٍ سيكي من خشيتي إلا أضحكته معي في ظل عرشي يوم القيامة " هذا هو البكاء الذي ينبغي أن نعتني به , وهذا هو بكاء نبينا عليه الصلاة والسلام وهذا هو بكاء السلف , ولما دخلت امرأة ذات يوم على بيت الإمام " الأوزاعي " إمام أهل بيروت , إمام أهل الشام , لما دخلت إمرأة في مصلاة وجدت على مصلاة ماء ! فنادت على إمرأته وقالت لها : سكلتك أمك ! تركت الصبيان حتى بالوا في مصلى مولانا الإمام ؟ قالت : رحمك الله هذا ليس بول الصغار ! هذه دموع بكاء الإمام من خشية الله الواحد القهار , هكذا كانوا يبكون , هذا مع علمهم , مع فقههم , مع اتصالهم بالله عزوجل , مع تعبدهم , نحن نحتاج أن نفكر في هذا كثيراً , ونحتاج أكثر أن نفكر في جهنم وأهوالها , وأحوال أهلها , وكيفية أن ننقذ أنفسنا منها , , أيها المسلمون : البر لا يبلى , والذنب لا ينسى , والديان لا يموت , اعمل ما شئت كما تدين تدان أو كما قال صلى الله عليه وسلم : ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة .